الرئيسية / تاريخ و حضارات / الشيعة… وأصل الحكاية

الشيعة… وأصل الحكاية

ان المتابع لنشأة الشيعة في التاريخ الإسلامي يعلم تمام المعرفة انه يوجد كلام و اختلافات كبيرة بين المؤرخين في لفظ الشيعة بين ذلك المعتقد موجودة اليوم والشيعة بمعنى المساندون و الانصار لشخص بعينه، فقد كان من عادة العرب أن يطلقوا على من يناصرون شخصا ما بأنه من شيعته فيقولون شيعة فلان أي الفئة المناصرة والمساندة لهذا الشخص وبفكان من الطبيعي ان يكون لدينا شيعة سيدنا علي وشيعة سيدنا الحسن وشيعة معاوية وهكذا. ولنعرف بالتحديد كيف نشأت الشيعة كعقيدة علينا أن نعود إلى البداية لنعرف كيف توالت الأحداث على مر السنوات والعقود وأدت إلى تكون عقيدة الشيعة التي نعرفها اليوم.

يجب أن نعلم بداية بأنه لم يحدث خلاف من ناحية العقيدة بين المسلمين في بداية التاريخ الإسلامي بل بالعكس كانت كل الخلافات هي خلافات في تسيير أمور المسلمين ولم تكن هناك علاقة لها بالمعتقد الديني. وفد بدأت هذه الخلافات منذ اللحظات الأولي بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند اختيارخليفة المسلمون فقد كانت افضلية أل البيت في تولي الخلافة دائما محل خلاف بين المسلمين حيث في البداية كان هذا الخلاف بسيطا لكن زاد شيئا فشيئا مع مرور الوقت.

فبعد اجماع المسلمين على تحديد أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- كخلفية للمسلمين في الاجتماع الذي تم في سقيفة بني ساعدة، انسحبت مجموعة من الصحابة عن المبايعة في أو الامر لأنها كانت ترى أن تكون الخلافة في آل البيت وليس في قريش أو الأنصار كما كان النقاش، وقد تزعم هذا الرأي مجموعة من الصحابة من المهاجرين والأنصار الذين ذهبوا ليبايعوا علي -رضي الله عنه- وهم العباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، والزبير بن العوام بن العاص، وخالد بن سعيد، والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والبراء بن عازب، وأبي بن كعب، لكن عليا رضي الله عنه منعهم ورد بمبايعة الجميع أبو بكر الصديق بعد ذلك.

ومع ذلك بقيت فكرة أولوية آل البيت في تولي الخلافة في معتقدات الكثيرين لإيمان بعض من الصحابة بأن تولي التسيير والخلافة ينبغي أن يكون في آل بيت رسول الله، فعاد الكلام حول تولى علي -رضي الله عنه- الخلافة بعد وفاة أبو بكر الصديق ايضا ثم أيضا بعد ذلك في مقتل عمر بن الخطاب ونفس الامر حدث بعد مقتل عثمان بن عفان، لكن امتناع علي بن أبي طالب لهذا الأمر، تكرر أيضا حتى عندما تولى الخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان فقد فعل ذلك بعد ضغط الصحابة عليه ولتجنب الفتنة وأصر على أن تتم مبايعة الناس في المسجد على منوال ما تم مع مبايعة أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- حتى يتولى الخلافة وهذا ما تم بالفعل.

وباعتبار أن تولى آل البيت للخلافة كان فكرا سياسيا خالصا إلا أن هذا لم يمنع من نشأت حركة دينية اتخذت من هذا الرأي السياسي عقيدة دينية. مجموعة بسيطة لم يكن لها أثر كبير وعدد مريديها قليل أطلق عليها المؤرخون مجموعة السبأية. أسس هذه المجموعة عبدالله بن سبأ وهو من أصل يهودي من اليمن كان قد اظهر دخوله الإسلام في فترة خلافة عثمان بن عفان -رضى الله عنه- وحمل عقيدة غير صحيحة عن الامام علي -رضي الله عنه- وكرم وجهه حيث ادعي ألوهية له وعظمه وقدسه وهو أول من سب و ابغض صحابة رسول الله .

في التاريخ القديم حكي عن الكثير من الحكايات عن عبد الله بن سبأ في أغلبها كان غير صحيح وفي المقابل تأكد بدون أدنى شك أنه قاد فكرا عقائديا مظللا. يتفق الجميع أنه لا يستطيع أن يقوم بأحداثا كبيرة كالتي حدثت فيما بعد لكنه بالتأكيد استطاع استغلالها بدهاء وحنكة. يذكرنا عبد الله بن سبأ بالرسول بولس في الديانة المسيحية فهو أيضا يهودي اعتنق المسيحية وادعى صفات ألوهية للمسيح ولم يكن له اتباع و مريدين في البداية لكنه تمكن من دخول الكنيسة وغيرها وفق عقيدته فأصبحت له الأغلبية فيما بعد. استطاع عبد الله بن سبأ أن يجمع بعض الانصارفي الكوفة والبصرة وايضا في مصر التي اقام بها بعد أن نفي من كل بلد كان يدخلها بسبب تلك المعتقدات التي كان يؤمن بها.

وعندما اتيحت الفرصة استغل عبد الله بن سبأ تذمرالناس على الخليفة عثمان بسبب مطالب سياسية لهم فأججهم عليه وكان معهم عندما أحاطوا بمنزله بالمدينة وقتلوه فتمكن من خلط السياسة بالعقيدة بشكل ماكر و خبيث. رغم أن السبأية تحمل عقيدة دينية محضة إلا أنها لم تكن تملك أي انتشار إلا في مناطق محدودة جدا ، بالرغم من صغر حجمها تمكنت من استغلال التوجهات السياسية لتحقيق أهدافها -كأي جماعة دينية أخرى- وهذا ما كان واضحا تماما في فتنة الخليفة عثمان -رضي الله عنه- فقد كان هدفهم في النهاية أن يتولى علي رضي الله عنه الخلافة وهذا ما كان بالفعل فيما بعد.

فكان حادث مقتل عثمان رضي الله عنه اول حادثة مفجعة في التاريخ الإسلامي على اساس انها قسمت المسلمين سياسيا بشكل واضح بين مؤيد للشرعية ومناصر لدرء الفتنة. معارضة سياسية في الكوفة والبصرة ومصر على بعض سلوكيات الخليفة في المدينة كان يمكن أن ننتهي بسلام إلا أنه تم استغلالها ليحدث بسببها أول انقسام في المجتمع الإسلامي.

وعليه علينا ان نعترف ان فرقة السبأية تمكنت من شيطنة الخليقة عثمان بن عفان وهو أحد المبشرين بالجنة فجعلت منه عدوا لمعارضة سلمية انقلبت فيما بعد إلى معارضة دموية فوقعت الفاجعة. كل هذا من اجل غاية دينية بأن يتولى من يزعمون أنه مقدس مكانه الطبيعي في حكم العالم كما يعتقدون. إنه استغلال السياسة لصالح الدين بأبشع صوره حتى لو كان الثمن شيطنة قديس. نعم يمكن شيطنة أي شخص من أجل الوصول لأي هدف ما.

حيث انها اختلافات سياسية من المقام الأول لم تعتمد على أي عقيدة لكن سادها استغلال العقيدة من فئة مظللة أودت في الاخير إلى الكارثة، لكن ما وقع بعد ذلك كان حدثا عظيما في مصير الأمة الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.