ان المتابع لمسلسل الزير سالم أبي ليلى المهلهل و الذي اهتم به المسلسل من خلابل طروحاته ومغزى عرضه في هذه المرحلة الصعبة التي تعيشهاالامة العربية. وحتى لا ننسى أن العمل الفني هو عمل مجموعة تتكاتف فيه مجهودات المؤلف وهو كاتب النص والسيناريو والمخرج والممثلين والشركة مالكة الانتاج كان لابد أن نخصص مقالا للاشارة الى مجهودات الممثلين الذين جسدوا ببراعة وقوة واقتدار وابداع منقطع النظير للشخصيات التاريخية وبالاخص شخصية الزير وكليب وجساس والجليلة واليمامة وابن عباد وهجرس والجرو وهمام وامرئ القيس بن أبان وغيرها.
وأعتقد أن الدور الاكمل كان في تجسيد شخصية الزير سالم التي قدمها الفنان سلوم حداد . فقد استطاع هذا الفنان في تصوير حال الزير في جميع مراحل حياته: الشاعر المتهتك السكير المنصرف الى لهوه مغامراته مع النساء، والاخ الثاكل الحزين على قتل اخيه كليب غدرا وخداعا، الفارس ذو الانتقام الذي يبحث عن ثأر يليق بشقيقه الملك الفارس فلا يراه يشتفي منه الا بقتل بل ابادة قبيلة البكريين الكبيرة دون رحمة.
وفي النهاية الرجل الذي فقد ذاكرته 10 سنوات لا يذكر عن حياته السابقة شيئا حتى يستعيد ذاكرته بصرخات الحرب والقتال فيعلو صوته صياحه العالي! يا لثارات كليب، ثم لا يلبث أن يعود كرته الاولى سنوات طويلة اخرى محاربا شجاعا يحاول أن يروي ثأره فيخذله الاقربون الذين سئموا الحرب الممتدة بلا نهاية ورغبوا في العودة الى حياتهم الطبيعية، ثم الفارس الجريح المهزوم الذي يخرج من ميدان المعركة يقود حماره ، ولا يجد نفسه قادرا على اعتلاء صهوة جواده ذليلا مهانا، لا يعرف ما يدفع به عن نفسه غائلة الذل الا التشبيب بامرأة آسره، وهي التغلبية التي حمته وحاولت التخفيف عنه في أزمته النفسية وما يعتمل عنده من احباطات ، إلى أن ينجح في العودة الى ابن اخيه الملك ويفشل في اقناعه في مواصلة الحرب فيخرج مبعدا عن الحمى ، مرة اخرى ويموت بيدي حارسيه.
كل هذا جسده سلوم حداد علىاحسن ما يكون أداء الدور الفني وأصدق ما يكون التعبير عن وضعية الرجل، وأفضل ما يمكن أن يصور فيه الموقف الدرامي معطيا كل حالة حقها من فنية عالية تقنع المشاهد بواقعية ما يراه وتبث فيه المشاعر نفسها التي كان يمكن أن يحسها لو كانت الاحداث تجري امامه واقعا معاشا. وتلك صفات الفنانين الكبار طبعا.
ولا يمكن ان نغفل عن أداء الفنان (خالد تاجا) الذي جسد دور الحارث بن عباد الفارس الذي لا يهزم، وصاحب الشخصية القوية الاسرة قوي البنية الحكيم والعاقل الذي يعتزل الحرب حين يراها هدرا للطاقات وتقطيعا للصلات بين بني العمومة والخؤولة .. لكنه لا يلبث أن يجد نفسه مكرها على الولوغ في الدم ثأرا لابنه جبير الذي يقتله الزير حين ارسله والده ليعرض الصلح وانهاء الحرب .. فيشعل ابن عباد الحرب وفقا لخطة جديدة ينتصر فيها على الزير وتغلب، ويصيب الزير بجراح بالغة فلا ينجو من الموت الا بحيلة الحصول على الامان، فيقص له ناصيته ويتركه.
ومثل ذلك يمكن أن يقال عن الفنان المغربي الذي جسد شخصية كليب، وعن بقية الممثلين الذين أدوا أو مثلوا شخصيات جساس ومرة، وامرئ القيس وهجرس .. والجليلة واليمامة ..الخ فكلهم كان متقنا لدوره، ومبدعا في ادائه على تفاوت في المستويات بين القدامى والجدد منهم.
وخلاصة الكلام : إن المسلسل عمل فني رائع كان يستحق المشاهدة والمتابعة، وبالتالي التقدير والاشادة . وكنت اتمنى لو أن بعض المختصين والمتابعين في صحافتنا الثقافية والفنية قد التفتوا ـ فعلا ـ الى مثل هذا العمل ، وغيره من الاعمال الجيدة ، وأشاروا اليه بما يستحقه بموضوعية واهتمام.